لماذا تأثر دخل الأميين بشكل أكبر من الجامعيين جراء كورونا؟


أسامة دياب


صدرت دراسة الأسبوع الماضي عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تحاول أن تتقفى أثر كورونا على دخل المصريين، ومن ضمن نتائج الدراسة الصادمة أن أغلب الذين استطلعت آراؤهم (٧٣،٥%) قل دخلهم منذ بدء أزمة فيروس كورونا، فضلا عن اعتماد المتضررين الكبير على شبكات التضامن الاجتماعي غير الرسمية (الهبات والإقتراض) على حساب حزم الدعم الحكومية، فيقول التقرير مثلا: 


حوالي نصف الأسر تقوم بالاقتراض من الغير وحوالي ١٧% من الأسر تعتمد على مساعدات أهل الخير، في حين أن حوالي ٥،٤% من الأسر حصلت على منحة العمالة غير المنتظمة وذلك في حالة عدم كفاية الدخل.




وكما نرى من الجدول أعلاه أيضًا أن التأثر ليس متساوي على الفئات الاجتماعية المختلفة، وإن كانت جميعها تأثرت سلبًا، فهناك علاقة عكسية شديدة الوضوح بين مستوى التعليم والتأثر السلبي للدخل منذ بدء الجائحة، أي إنه كلما قل مستوى التعليم كلما زاد التأثر سلبًا.


لهذا عدة أسباب سأحاول طرح بعضها في النقاط التالية:


١- عدم القدرة على العمل من المنزل

العمل المنزلي ميزة لا يقدر عليها غالبًا إلا الفئات المتعلمة التي تم رقمنة وظائفهم بشكل كبير بسبب طابعها الذهني فالمنتج الذهني أسهل في الانتقال عبر كابلات الانترنت من المنتج المادي أو الخدمة اليدوية.


كلما قل مستوى التعليم، على الجانب الآخر، كلما زاد الاعتماد على وظائف يدوية تنتج في الأغلب منتجات مادية ملموسة (مثل العقارات أو المشغولات اليدوية)، أو خدمات تتطلب قدر من التقارب الاجتماعي (مثل تنظيف المنازل أو البيع المتجول) انخفض كثيرًا الطلب عليها، في مقابل منتجات ذهنية وفكرية زاد الطلب عليها أو على الأقل لم يتأثر الطلب عليها بنفس القدر (مثل البرمجة والصحافة والترجمة وتصميم الجرافيك والتسويق الالكتروني، إلخ).


٢- لا يستفيدون من دعم الشركات

دعم العمالة إن وجد فهو دعم غير مباشر تحصل عليه الشركات، وحيث أن الأميين وأصحاب المستويات المنخفضة من التعليم عادة لا تجمعهم علاقة تعاقدية مستقرة بأي شركة فهم أكثر عرضة ألا يكونوا حصلوا على أي أجر حتى ولو مُخَفَض منذ بدء الإغلاق.


لهذا دعم الأفراد المباشر وليس فقط دعم الشركات شديد الأهمية. صحيح أن الحكومة أعلنت عن منحة ٥٠٠ جنيه لمدة ثلاثة أشهر للعمال غير المنتظمين لكنه مبلغ ضئيل ولم تستفد منه وفقا للاحصائيات الرسمية إلا ٥،٤% من الأسر في حين أن نسبة الأميين لوحدها تقترب من ال ٣٠% من السكان وإن أضفنا لهم الفئات التي نالت قدر بسيط من التعليم فستزيد النسبة كثيرًا. 


على سبيل المثال، ذهبت ٥٠% من حزمة الدعم التي تقدر ب ١٠٠ مليار جنيه لدعم قطاع السياحة فقط، فضلا عن ٣ مليار جنيه قروض ميسرة بنسب فائدة منخفضة ذهبت لذات القطاع، بالإضافة لحزم قروض ميسرة بمليارات الجنيهات لقطاعات التصنيع والزراعة والطيران.


٣- الأميون لا يعملون في الحكومة

من أكثر القطاعات أمانًا والتي لم يتأثر دخلها بشكل كبير هو القطاع الحكومي، لكن كلما قل مستوى التعليم كلما قل تمثيل الفئات التعليمية المختلفة في القطاع الحكومي الذي يستوعب حوالي خمس القوى العاملة في مصر. 


وأخيرًا، ترتبط مستويات التعليم بالطبع بمؤشرات اجتماعية واقتصادية أخرى كالدخل والثروة وبما أن الأثر لم يقاس وفقا لأي مؤشرات اجتماعية أخرى فليس لدينا حاليًا إلا المستوى التعليمي لاستنتاج الأثر غير المتناسب للأزمة، فالمؤكد أن الفقر سيكون أكثر تركيزًا بكثير في فئة الأميين. بسبب هذا التأثير غير المتناسب للأزمة على الفئات الأكثر فقرًا، فمن المتوقع أن تزيد معدلات الفقر والفقر المدقع كثيرًا في مصر في الفترة القادمة بعد أن زادت بشكل مستمر ومطرد في السنوات والعقود الأخيرة.


لم تقسم أيضًا الدراسة الأثر وفقًا للنوع الاجتماعي، لكن جدير بالذكر أن تمثيل النساء بين الأميين والفقراء على حد سواء أعلى من تمثيل الرجال (في الظاهرة التي تعرف ب"تأنيث الفقر")، لذا من المتوقع أيضًا أن تتأثر النساء بشكل أكبر من الرجال، ما لم تأخذ بالطبع الحكومة تلك العوامل في الاعتبار وتتدخل بشكل حاسم ومنحاز لتلك الفئات عند تصميمها لحزم إنقاذ اقتصادي في المستقبل.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المؤشرات الاقتصادية كدلالات عائمة: مقدمة مفاهيمية

في ذكراه الخامسة، كيف دشن التعويم لعصر "الأمولة التابعة" في مصر؟

مقتطفات عن أموَلة الاقتصاد من كتاب "مُلّاك مصر"