المؤشرات الاقتصادية كدلالات عائمة (٣): معدلات البطالة


هذه التدوينة جزء من سلسلة تدوينات عن الاحصائيات والمؤشرات الاقتصادية كدلالات عائمة. لقراءة المقدمة المفاهيمية للسلسلة برجاء تتبع هذا الرابط.

الشكل ١ تقسيم السكان حسب حالتهم العملية. المصدر، تقرير القوى العاملة لعام ٢٠١٨ - الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء

أسامة دياب

بالرغم من كونه المؤشر الأساسي الخاص بالعمل، يُهمِل مؤشر البطالة العديد من الظواهر المرتبطة بالتوظيف والتشغيل. على سبيل المثال، لا يعتبر المؤشر الأشخاص من ضمن العاطلين إذا كانوا قد فقدوا الأمل في إيجاد وظيفة أو يعملوا عدد ساعات أقل بكثير مما يرغبون underemployed.

تعريف منظمة العمل الدولية للعاطلين هو "الأشخاص في سن العمل الذين لا يعملون حاليًا لكن اضطلعوا في البحث عن عمل مؤخرًا ومتاحون للعمل حال حصولهم على فرصة". العاطلين وفقًا لهذا التعريف هم الأشخاص الذين يبحثون بشكل نشط عن عمل.

أما تعريف العاملين فيشمل  الأشخاص العاملين في وظيفة لمدة ساعة واحدة على الأقل في الأسبوع. لذلك من الممكن اعتبار عدد العاطلين منحاز لأسفل لعدم اشتماله على: ١) الأشخاص الذي يعملون ساعات قليلة جدًا أسبوعيًا أو شهريًا؛ ٢) الأشخاص الذين يأسوا من إيجاد فرص عمل وتوقفوا عن البحث. في نفس الوقت يمكن اعتبار عدد المشتغلين منحاز لأعلى لاشتماله على: ١) كل الأشخاص الذين يعملون ساعات قليلة جدًا بداية من ساعة واحدة في الأسبوع؛ ٢) الأشخاص الذين يعملون لدى الأسرة بدون أجر وهي الفئة التي تشمل نسبة كبيرة من النساء التي تعتبرهن البيانات الرسمية مشتغلات (أنظر/ي الشكل ١).

يعني هذا ببساطة أن الأشخاص الذين يأسوا من إيجاد عمل فتوقفوا عن البحث، أو الأشخاص الذين لا يجدوا وظيفة فيعملون عدد ساعات قليلة جدًا في أي نشاط "اقتصادي" سواء بأجر أو بدون لا يُحتسَبوا في عداد العاطلين. يظهر القصور الواضح في هذا المؤشر عند مقارنة معدلات البطالة ببعض المؤشرات الأخرى المرتبطة بالتشغيل.

يوجد العديد من الأدلة أن جودة الوظائف وإتاحتها في السنوات الأخيرة تراجعت بشكل كبير بالرغم من انخفاض معدلات البطالة، ففرص العمل المستقرة والجيدة قلت بشكل ملحوظ لأسباب كثيرة منها التباطؤ الاقتصادي وسياسات التقشف وزيادة المكون التكنولوجي وتوسع النشاط المالي كقطاع غير مشغل.

إذا نظرنا لمعدلات البطالة على مستوي العالم، سنجد أنها ارتفعت بشكل ملحوظ بعد الأزمة المالية في ٢٠٠٨، ولكنها بدأت في الانخفاض بداية من عام ٢٠٠٩ بشكل مستمر  تقريبًا حتى عام ٢٠١٩ (أنظر/ي الشكل ٢). تستخدم أغلب الحكومات والمؤسسات المختلفة انخفاض معدلات البطالة غالبًا للتدليل على تعافي الاقتصاد، ولكن المسألة أعقد قليلًا من ذلك.

شكل ٢ معدل البطالة على مستوى العالم من ٢٠٠٧ إلى ٢٠١٩، بيانات البنك الدولي


فإذا نظرنا على سبيل المثال إلى مؤشر "معدل المشاركة في القوى العاملة"، وهو المؤشر الذي يقيس قوة العمل (العاملين+العاطلين الباحثين عن عمل) نسبة إلى إجمالي السكان في سن العمل، فسنرى صورة مختلفة جذريًا حيث انخفضت النسبة بشكل حاد من ٦٣% في ٢٠٠٨ إلى ٦٠.٦% في ٢٠١٩ (أنظر/ي الشكل ٣).


شكل ٣ معدل اشتراك القوة العاملة على مستوى العالم من ٢٠٠٨ حتى ٢٠١٩، بيانات البنك الدولي

يعود سبب هذه المفارقة من انخفاض نسب البطالة (الذي عادة ما يساء فهمه كزيادة في عدد العاملين والوظائف) وفي نفس الوقت انخفاض نسبة قوة العمل (العاملين+العاطلين الباحثين عن عمل) من إجمالي السكان إلى يأس الكثيرين من إيجاد فرص عمل وتوقفهم عن البحث، فبالتالي لم يعدوا يُحتسَبوا في عِداد  العاطلين وقوة العمل بالرغم من اختبارهم لظروف أشد قسوة من بقية العاطلين. انخفاض معدلات البطالة كنتيجة لانخفاض قوة العمل التي تُحسَب على أساسها نسب البطالة بسبب يأس الكثيرين من إيجاد فرصة عمل ليس بالتأكيد مدعاة للفخر. 

من المؤشرات التي تؤكد هذه الفرضية مؤشر نسبة التشغيل إلى عدد السكان والذي انخفض أيضًا على مستوى العالم من ٥٩.٧% في ٢٠٠٨ إلى ٥٧.٤% في ٢٠١٩ (أنظر/ي الشكل ٤)، وهو المؤشر الذي يشير أيضًا إلى انخفاض عدد العاملين نسبة إلى السكان بالرغم من انخفاض نسب البطالة. 


شكل ٤ إجمالي نسبة التشغيل لعدد السكان على مستوى العالم من ٢٠٠٨ إلى ٢٠٠٩، بيانات البنك الدولي


باختصار عند الرغبة في الحصول على تصور أقرب للواقع عن وضع التشغيل وفرص العمل، يجب أخذ كل تلك المؤشرات مجتمعة في الاعتبار، وتحديدًا المؤشرات التي تأخذ في الاعتبار الأشخاص الذين خرجوا من حساب قوة العمل يأسًا من إيجاد فرصة عمل بعد بحث طويل--فضلًا عن هؤلاء الذين يعملون بضع ساعات قليلة شهريًا أو بدون أجر بشكل يجعلهم فعليًا أقرب للعاطلين منهم للمشتغلين. 

















تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المؤشرات الاقتصادية كدلالات عائمة: مقدمة مفاهيمية

في ذكراه الخامسة، كيف دشن التعويم لعصر "الأمولة التابعة" في مصر؟

مقتطفات عن أموَلة الاقتصاد من كتاب "مُلّاك مصر"