ثلاث فئات اجتماعية.. وثلاثة بنود إنفاق رئيسية


No photo description available.

تطور الإنفاق الحكومي وبنوده الرئيسية في مصر على مدار السنوات الأخيرة وفقا لتقرير مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني الصادر في أغسطس ٢٠١٩ (ترجمة البنود للعربية في نهاية النص).



تشكل الثلاثة أرقام الرئيسية في الأعمدة الموجودة في الرسم أعلاه أهم ثلاثة بنود تاريخيًا في الموازنة العامة للدولة، وهي الدعم والأجور وفوائد الديون.


كان يقال في السابق أن الموازنة تقسم أربعة أرباع، ربع يذهب للدعم وربع للأجور وربع لفوائد الديون وربع ل"كل حاجة تانية". تغيرت جذريًا في السنوات الأخيرة هذه الصورة التقليدية التي ظلت مستقرة لفترة طويلة.


كما هو واضح كان معدل التغير الأكبر في بند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية وهو مجمل الإنفاق الاجتماعي حيث انتصف تقريبًا في السنوات الأخيرة من %١٤.١ من الناتج المحلي الإجمالي إلى ٧.٥%. يتعارض هذا مع خطاب الحكومة وصندوق النقد الدولي القائل بأن الوفورات التي ستحدث جراء إلغاء دعم الكهرباء والطاقة سيتم استخدام أغلبها لتمويل برامج دعم نقدي مباشر للفقراء للتأكد من وصول الدعم لمستحقيه. 


كان ثاني أهم تغير في الإنفاق العام هو الإنفاق على الأجور الحكومية التي انخفضت من ٧.٨% إلى ٥% من الناتج المحلي الإجمالي، ويستدعي هذا البند إلى الذاكرة تاريخ طويل من تصريحات الحكومات المتعاقبة عن تضخم فاتورة الأجور وتورم البيروقراطية والتي يعتبرها كثيرون ميراث ناصري سلبي. لم يكن هذا الإدعاء في محله أبدًا ولم يكن في أي مرحلة الإنفاق على الأجور كبيرًا بالمقارنة بالمتوسطات العالمية. 


يقول مثلًا أشرف حسين في مقال له معتمدًا على تصنيفات البنك الدولي، أن نسبة الإنفاق الحكومي على الأجور تبلغ 10.4% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول مرتفعة الدخل (هي نفس الدول التي تعتبر نفسها رأسمالية)، في حين تصل النسبة في الدول متوسطة الدخل التي تنتمي لها مصر  ل8.7% والدول منخفضة الدخل حيث النسبة 7%. 


بالإضافة لأن النسبة لم تكن في أي مرحلة مرتفعة بشكل استثنائي، فأن الأجور لها أيضًا دور اجتماعي واقتصادي مهم، فجزء كبير من تشكيل الطبقة الوسطى يعتمد على الوظيفة العامة، وتُشكِل الطبقة الوسطى جزء كبير من الطاقة الاستهلاكية في المجتمع وبالتالي الانخفاض النسبي لأجورها سيكون له تأثيرات طويلة المدى على التعافي الاقتصادي خاصة في ظل فشل القطاع الخاص حتى الآن في خلق فرص عمل جيدة بشكل كافي. وفقًا أيضًا لدراسة لكريدي سويس، تعتبر الطبقة الوسطى المصرية من أفقر وأصغر الطبقات الوسطى في فئة الدول التي تنتمي لها مصر، ولا تشكل الهجمة على الأجور الحكومية إلا المزيد من الضغوط عليها. زيادة معدلات الفقر وفقا للإحصاءات الحكومية في السنوات الأخيرة تنبيء أيضًا بسقوط الكثيرين من الطبقة الوسطى الدنيا تحت خط الفقر.


أما بالنسبة للفوائد الديون، فهو البند الوحيد من البنود الثلاثة الرئيسية التي زاد حصته حتى وصل تقريبا لعشر حجم الناتج المحلي، وهي أموالًا طائلة تقدر ب ٦٠٠ مليار جنيه سنويا تذهب مباشرة لجيوب المستثمرين والمؤسسات المستثمرة في الدين الحكومي، وتمثل حوالي ثلث الإنفاق الحكومي. 


كانت إذن وباختصار شديد آثار الإصلاح الاقتصادي الرئيسية على الإنفاق الحكومي هي انخفاض الحصة التي تذهب للفئات الهشة اقتصاديًا في هيئة إنفاق اجتماعي، وانخفاض أيضًا الحصة التي تذهب للطبقة المتوسطة في هيئة أجور حكومية، بينما زادت الحصة التي تذهب لطبقة المستثمرين في هيئة فوائد على الديون. يؤدي هذا الربح المضمون أيضًا إلى تحويل رأس المال من أنشطة خالقة لفرص عمل إلى أنشطة ريعية كتسليف الحكومة، وبالتالي تقلل أكثر من قدرة القطاع الخاص على خلق وظائف تزامنًا مع تراجع دور الحكومة في التوظيف.




ترجمة البنود
Compensation = الأجور والتعويضات
Goods and services = شراء السلع والخدمات
Interests = الفوائد على الديون
Subsidy, grants, social benefits = الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية
Investment = الاستثمارات
Other spending = مصروفات أخرى



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المؤشرات الاقتصادية كدلالات عائمة: مقدمة مفاهيمية

في ذكراه الخامسة، كيف دشن التعويم لعصر "الأمولة التابعة" في مصر؟

مقتطفات عن أموَلة الاقتصاد من كتاب "مُلّاك مصر"