مقطع عن العنف ضد النساء من كتاب "الأبوية والتراكم على الصعيد العالمي" لماريا ميس


هذا المقطع هو ترجمتي لخاتمة الفصل الخامس من كتاب "الأبوية والتراكم على الصعيد العالمي" لماريا ميس بعنوان "العنف ضد النساء والتراكم البدائي المستمر لرأس المال". أسامة دياب.



ماريا ميس

ركزت مناقشة العنف ضد النساء بشكل رئيسي على الوضع في الهند، وهو الوضع الذي أعرفه أكثر، ولكن ليس من الصعب العثور على أمثلة أخرى للعنف المباشر والبنيوي كجزء لا يتجزأ من العلاقات الجنسية والطبقية، وكذلك للتقسيم الدولي للعمل. قد سلطت الحركة النسوية الغربية، منذ بدايتها، الضوء على هذا الجانب في البلدان الرأسمالية "المتقدمة". كشفت المناقشة حول عملية استئصال البظر وتحديثها في إفريقيا عن بُعد آخر للعنف ضد النساء. 

أما مطبوعة "النساء في روسيا"، التي أصدرتها مجموعة من النسويات في الاتحاد السوفييتي على شكل ساميزدات (منشورات)، تعطي دليلاً على المعاملة الوحشية في العلاقة بين الرجال والنساء أيضًا في الوطن الأم للثورة الاشتراكية. التقارير التي ظهرت مؤخرًا من الصين حول قتل الأجنة الأنثوية والميول المناهضة للمرأة في أعقاب سياسات الدولة للسيطرة على السكان  هي دليل على حقيقة أن سياسات "التحديث'' تتماشى مع الميول الأبوية الجديدة، حتى في البلدان الاشتراكية.

لذلك، يبدو أن العنف ضد النساء هو القاسم المشترك الرئيسي الذي يعبر عن استغلال النساء واضطهادها، بغض النظر عن الطبقة أو الأمة أو العرق أوعما إذا كان النظام رأسمالي أو اشتراكي، أو في العالم الثالث أو  الأول.

إذا كان الأمر كذلك، فما الاستنتاجات النظرية والعملية التي نستخلصها من هذا الاعتراف؟ بعد المناقشة أعلاه، نحن الآن في وضع أفضل للإجابة على السؤال عما إذا كان العنف والإكراه جزءًا من جميع علاقات الإنتاج التي تشارك فيها النساء، أو ما إذا كان هامشي بالنسبة لها (أي علاقات الإنتاج).

من مناقشتنا، يجب أن يكون واضحًا أن العنف ضد النساء لا يمكن تفسيره بشكل كاف من خلال حجج الحتمية الاقتصادية الضيقة، المعتمدة بشكل أساسي على حسابات العرض والطلب الرأسمالية، ولا بالحجج البيولوجية حول "الطبيعة" الذكورية "السادية بطبيعتها".

تقدم جميع الأمثلة لدينا دليلاً على حقيقة أن العنف ضد النساء هو ظاهرة مُنتَجة تاريخيًا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستغلال بين الرجال والنساء والعلاقات الطبقية والدولية. كل هذه العلاقات اليوم مندمجة بشكل أو بآخر في أنظمة التراكم. أنظمة التراكم هذه إما رأسمالية/موجهة نحو السوق، أو أنها مخططة مركزياً أو اشتراكية. بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية، فإن تراكم رأس المال في كلا النظامين يقوم على نزع وسائل الإنتاج عن منتجي الكفاف. 

في مراكز اقتصادات السوق الرأسمالية، تم تحويل الرجال التي تم مصادرة أدوات إنتاجهم إلى طبقة جديدة من العمال "الأحرار"، الذين لا يمتلكون سوى قوة عملهم. لكنهم، بوصفهم مالكي قوة عملهم، ينتمون رسميًا إلى فئة المواطنين البرجوازيين "الأحرار"، الذين يُعرَّفون بأنهم أولئك الذين يتمتعون بملكية شيء ما (قوة عملهم)، والذين يمكنهم بالتالي الدخول في علاقات تعاقدية مع بعضهم البعض على أساس مبدأ تبادل معادلات القيمة. لذلك، يمكن النظر إلى الرجال البروليتاريين على أنهم ذوات تاريخية كأشخاص أحرار، حتى من قبل منظري التحول الاشتراكي.

ومع ذلك، لم يتم تعريف النساء على أنهن ذوات تاريخية حرة بالمعنى البرجوازي. لم تكن نساء الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج ولا نساء الطبقة البروليتارية مالكات لذواتهن. إن النساء أنفسهن وشخصهن بالكامل وعملهن وعاطفتهن وأطفالهن وأجسادهن وحياتهن الجنسية ليست ملكهن بل تخص أزواجهن. كانوا ممتلكات، لذلك وفقًا للمنطق الرسمي للرأسمالية، لا يمكن أن يكونوا في نفس الوقت ملاك. 

إذا لم يتم تضمينهم رسميًا في فئة مالكي الممتلكات - أي البروليتاريين الذكور، بمعنى أنهم مالكو قوة عملهم وأجسادهم - فلا يمكنهم أيضًا أن يصبحوا مواطنين "أحرارًا" أو ذواتًا تاريخية. هذا يعني أن الحريات المدنية للثورة البرجوازية ليست مخصصة لهم. أعتقد أن هذا هو السبب الأعمق وراء منح حقوق التصويت للمرأة في وقت متأخر جدًا ولعدم اعتبار الاغتصاب في الزواج جريمة.

إذا كانت النساء، وفقًا للمنطق البرجوازي، لا يمكن أن يكونن ذوات حرة لأنهن ممتلكات وليسن مالكات، فعندئذ لا يمكن أيضًا الدخول معهن في عقد، كما هو ممكن مع البروليتاري "الحر'' والذي يعتبر، رسميًا على الأقل، مالك قوة عمله التي يمكنه بيعها لمن يريد. يستند عقد العمل بين الرأسماليين والبروليتاريين على افتراض أن فردين حرين يدخلان في علاقة تبادل لمتكافئات. مثل هذا العقد غير ممكن مع النساء. إذا أراد المرء أن ينتزع منهم أي شيء فيما يتعلق بالعمل أو الخدمات، فمن الضروري تطبيق العنف والإكراه لأنه، على الرغم من عدم تعريف النساء على أنهن رعايا أحرار، إلا أنهن مع ذلك لديهن إرادتهن الخاصة التي يجب إخضاعها بالقوة لإرادة الذوات الحرة للمجتمعات المتحضرة "الرجال" ولقانون تراكم رأس المال.

تم الإخضاع العنيف للنساء تحت قيادة الرجال وعملية تراكم رأس المال لأول مرة على نطاق واسع خلال مطاردة الساحرات في أوروبا. لكنها شكلت منذ ذلك الحين البنية التحتية التي يمكن على أساسها إقامة ما يسمى بعلاقات الإنتاج الرأسمالية، أي العلاقة التعاقدية بين مالكي قوة العمل وأصحاب وسائل الإنتاج. بدون هذه البنية التحتية من العمل النسائي أو الاستعماري غير الحر أو القسري بالمعنى الأوسع، لن تكون علاقات العمل التعاقدية غير القسرية للبروليتاريين الأحرار ممكنة. تم تعريف النساء والشعوب المستعمرة ك "ملكية" و"طبيعة" وليس كذوات حرة يمكنهم الدخول في عقد. كلاهما يجب أن يخضع للقوة والعنف المباشرين.

من الناحية الاقتصادية، يكون هذا العنف ضروريًا دائمًا عندما يكون لدى الناس قدرة على الوصول إلى وسائل الإنتاج. على سبيل المثال، لا يبدأ الفلاحون طواعية في إنتاج السلع للسوق الخارجي. يجب أولاً إجبارهم على إنتاج أشياء لا يستهلكونها بأنفسهم، أو أن يتم طردهم بالقوة من حقولهم، أو طرد القبائل بالقوة من أراضيهم وإعادة توطينهم في قرى استراتيجية.

"وسيلة الإنتاج" الأولى والأخيرة للمرأة هي أجسادهن. تتركز الزيادة العالمية في العنف ضد النساء بشكل أساسي في هذه "الأرضية"، والتي لم يتمكن الرجال الكبار من ترسيخ هيمنتهم الثابتة والدائمة عليها. هذه الهيمنة لا تقوم فقط على اعتبارات اقتصادية ضيقة التعريف، على الرغم من أنها تلعب دورًا مهمًا، ولكن الدوافع الاقتصادية متداخلة في جوهرها مع دوافع سياسية، ومع مسائل السلطة والسيطرة. بدون عنف وإكراه، لن يتمكن الرجال المعاصرون ولا الدول الحديثة من متابعة أسلوبهم في التقدم والتطور القائم على السيطرة على الطبيعة.

في إطار اقتصادات السوق الرأسمالية، يمكن إذن تفسير العنف ضد النساء، من خلال ضرورة حدوث "التراكم البدائي المستمر" الذي يشكل وفقًا لأندريه جوندر فرانك، الشرط المسبق لما يسمى بعملية تراكم "رأس المال". في بلد من دول العالم الثالث مثل الهند، الأشخاص الذين أصبحوا ذواتًا "حرة" بالمعنى الموضح أعلاه قليلين نوعًا ما. واقع أن الحقوق المدنية مذكورة في الدستور الهندي لا تؤثر على علاقات الإنتاج الفعلية التي تقوم، إلى حد كبير، على العنف والإكراه. لقد رأينا  العنف ضد النساء كعنصر جوهري في "التراكم البدائي المستمر لرأس المال" يشكل الطريقة الأسرع والأكثر "إنتاجية" إذا كان الرجل يريد الانضمام إلى أخوية الذوات "الحرة" أصحاب الملكيات الخاصة.

وبالتالي، فإن العنف ضد النساء واستخراج عمل النساء من خلال علاقات العمل القسرية جزء لا يتجزأ من الرأسمالية. إنها ضرورية لعملية التراكم الرأسمالي وليست على هامشها. بعبارة أخرى، يجب على الرأسمالية أن تستخدم، أو تقوي، أو حتى تخترع، العلاقات الأبوية بين الرجال والنساء إذا أرادت الحفاظ على نموذج التراكم الخاص بها. إذا أصبحن جميع النساء في العالم صاحبات أجر "أحرار" وذوات "حرة"، فإن استخراج الفائض سيتعرض، على أقل تقدير، لعرقلة شديدة. هذا ما تشترك فيه النساء كربات بيوت، وعاملات، وفلاحات، وبغايا، من دول العالم الثالث والعالم الأول.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المؤشرات الاقتصادية كدلالات عائمة: مقدمة مفاهيمية

في ذكراه الخامسة، كيف دشن التعويم لعصر "الأمولة التابعة" في مصر؟

مقتطفات عن أموَلة الاقتصاد من كتاب "مُلّاك مصر"