سهم جيم ستوب: ثورة صغار المستثمرين ودمقرطة الممارسات الضارة




أسامة دياب

طفت إلى السطح في الأيام الماضية قصة جديدة من قصص التسويق الهرمي والمعادلات الصفرية والتنبؤات المحققة لذاتها، التي تعرف شعبيًا ب" البورصة"،  حيث كل مكسب لشخص هو خسارة لشخص آخر. 

الاستثناء من هذه القاعدة هو تملك السهم بشكل طويل المدى بهدف الحصول على توزيعات الأرباح، وهو الهدف المعلن من البورصة كونها تسمح للعامة بتعبئة مدخراتهم بشكل يفيد الشركات في زيادة رأسمالها بشكل مستدام ويسمح للجمهور بالمشاركة في أرباح تلك الشركات، لكن كلما زادت أسواق وأدوات المال تعقيدًا، وكلما دخل الاقتصاد الإنتاجي في أزمة أعمق، زادت حصة المضاربة من تعاملات السوق. 

تعني المضاربة التربح من الفرق بين سعر شراء وبيع الأصل نفسه، وليس من أرباح الشركة الناتج عن إنتاج معين. الفارق هنا أن أرباح الشركات عادة ما تعكس ثروة جديدة خُلقَت في المجتمع خاصة لو كانت الشركة تعمل فيما يسمى بالاقتصاد الحقيقي، لكن أرباح المضاربة هي ثروة موجودة بالفعل في شكل أموال تأتي من أشخاص آخرين اشتروا السهم بعد ارتفاع سعره، فما هي إلا آلية لتوزيع أو نزع الثروة بدلا من خلقها. ناقشنا في العدد الرابع من يد خفية عن "أمولة الاقتصاد" هذه المسائل بالتفصيل مع الباحث في الاقتصاد السياسي وائل جمال.

امتلأت الصحف وصفحات الفيسبوك مؤخرا بموضوعات من نوعية "كل ما تريد/ين معرفته عن ما حدث لسهم جيم ستوب GameStop". لا تقدم هذه التدوينة أي من هذه الوعود البراقة، فانا شخصيًا لا أعتقد أنه من الذوق افتراض كم المعلومات التي تريد/يريد القاري/ة معرفتها عن موضوع ما، لكن فيما يلي ملخص لما قمت بتجميعه من متابعة غير عميقة للموضوع ومعرفة غير متخصصة بأسواق المال. 
 
ناقشنا في عدد  يد خفية عملات المستقبل  ثلاثة عوامل للتربح الكبير والسريع من المضاربة، وهم رأس المال، والمعلومات والقدرة على التأثير على السوق. لأسباب بديهية ظلت تلك العناصر حكرًا على كبار  المستثمرين ومؤسسات وصناديق الاستثمار الكبرى.  تعمل الآن مجموعات من صغار المستثمرين على تغيير هذا الواقع عن طريقة محاولات لتنسيق مجهودات أعداد كبيرة من صغار المستثمرين باستخدام المنتديات الإلكترونية وتطبيقات المضاربة في الأسهم. نجحت هذه المجموعات في دعم سهم شركة جيم ستوب الذي اقترب سعره من ال ٥٠٠ دولار في الثامن والعشرين من يناير الجاري،  وكان سعره أقل من ٤ دولارات منذ عام ونحو ٢٠ دولار منذ أقل من شهر.

قبل أن نتناول أسباب هذا الارتفاع الكبير، من المهم شرح سريعا مفهوم ال short squeezing. ال short squeezing هو  المقابل في سوق المال لمفهوم سخرية القدر في التراجيديا الإغريقية، ويحدث عندما يساهم المستثمر مجبرًا في ارتفاع سعر السهم الذي راهن على خسارته، مضاعفًا من خسارته بيده.

تبدأ هذه العملية عندما يراهن مستثمر على هبوط سعر سهم ما، ومن ثم يقترض هذا السهم بهدف بيعه ثم إعادة شرائه سريعًا بعد هبوط سعره وإعادته إلى الدائن. مثال: مستثمر أ يعتقد أن سهم جيم ستوب سيهبط من ٢٠ دولار إلى ١٠ دولارات خلال أسبوع، فيقترض ١٠٠ سهم على وعد أعادتهم للدائن بعد فترة محددة، ويبيعهم فورا ب٢٠ دولار للسهم (إجمالي ٢٠٠٠ دولار) على أمل هبوط سعرهم إلى ١٠ دولارات وقت إعادتهم، فيقوم بشراء الأسهم ب١٠٠٠ دولار فقط وإعادتهم إلى الدائن والاحتفاظ بال ١٠٠٠ دولار الأخرى كربح. يحدث ال short squeezing عندما يرتفع سعر السهم عن ال ٢٠ دولار ويحين أجل إعادة الأسهم فيقوم المدين بشراء أسهم من السوق لإعادتهم للدائن فتساهم هذه العمليات الشرائية ذاتها بارتفاع سعر السهم الذي راهن المستثمر على انخفاضه.

بدأت قصة سهم جيم ستوب عندما قامت مجموعة من صغار المستثمرين على صفحة WallStreetBets على موقع Reddit (التي يصل عدد متابعيها إلى ٢ مليون متابع) في الإعلان عن نيتها استهداف المستثمرين الذين راهنوا على انهيار سعر سهم جيم ستوب من خلال ال short-selling (اقتراض السهم وبيعه على خلفية التوقع بانخفاض سعره، بل والدفع للتأثير في السوق وخفض سعره في بعض الأحيان). هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا، ومن أهداف تلك المجموعة هو استهداف ال short sellers بشكل عام وهي الممارسة التي كانت جزئيًا السبب في الأزمة المالية العالمية في ٢٠٠٨ عندما راهن مستثمرين على انهيار السوق العقاري، وهي القصة التي سردها الفيلم الشهير The Big Short.* عادة ما يشير أعضاء هذه الصفحة لهذه النوعية من المستثمرين ب"مصاصي الدماء".

تعتمد هذه المجموعة على منصات التواصل الاجتماعي لتنسيق وحشد مثل هذه التحركات، وعلى تطبيقات لشراء وبيع الأسهم تسمح لأي شخص أن يبيع ويشتري الأسهم من هاتفه المحمول بدون أي رسوم. أحد أشهر تلك التطبيقات والذي تم استخدامه بكثافة لدعم سهم جيم ستوب هو تطبيق "روبن هود"، والذي كما هو واضح من اسمه ومن هذه التغريدة أنهم على وعي بالبعد الاجتماعي والسياسي للخدمة التي يقدمونها كوسيلة لدمقرطة أسواق المال واستهداف "الأغنياء" من المستثمرين.

قام أعضاء هذه المجموعة بالتنسيق لشراء السهم والدفاع عنه والهجوم على من راهنوا على خسارته، تحديدًا صندوق تحوط يسمى Melvin Capital، والذي تشير بعض التقديرات لخسارته ما يقرب من ٣ مليار دولار نتيجة لهذه العملية. قام بعد ذلك إيلون ماسك بالتغريد عن الموضوع مما دفع السعر إلى المزيد من الارتفاع حتى اقترب سعره من ال ٥٠٠ دولار بمعدل زيادة أكثر من ٢٠٠٠% تحققت في خلال أيام قليلة.

بالطبع ليس كل من استفاد من هذه المقامرة من صغار المستثمرين على تطبيق روبن هود، فحسب الجارديان 


ينقسم المتابعين في تقييمهم لما حدث، فمستثمري وول ستريت يطالبون الجهات الرقابية بالتدخل والدولة بتجريم هذا النوع من المضاربة والاستثمار، في حين يعتبر آخرين ما حدث على إنه ثورة من أسفل من الممكن أن تحد من ممارسات وول ستريت الضارة في الرهان على والتربح من الانهيارات، وهو ما أدخل العالم في أزمة كبيرة في عام ٢٠٠٨ لا نزال نعيش تبعاتها حتى اليوم. يذهب الكثيرون أيضًا أن ما فعله أعضاء مجموعات Reddit ليس إلا ما يفعله مستثمري وول ستريت كل يوم، وإن ما يغضبهم حقًا هو الخسارة وفقدانهم السيطرة على كل جوانب السوق وليس الممارسة ذاتها. 

*لقد أشار المدرب المالي معاذ جودة في هذا الفيديو الذي يعلق فيه على التدوينة أن لوم ال short selling ما هو إلا محاولة لإيجاد كبش فداء لأزمات أعمق في سوق المال، وهو ما أتفق معه إلى حد كبير وأشكره على لفت الانتباه لهذه النقطة الهامة.







 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المؤشرات الاقتصادية كدلالات عائمة: مقدمة مفاهيمية

في ذكراه الخامسة، كيف دشن التعويم لعصر "الأمولة التابعة" في مصر؟

مقتطفات عن أموَلة الاقتصاد من كتاب "مُلّاك مصر"