الحلقة المفقودة في حديث تطوير الصحة والتعليم








أسامة دياب
الاستثمار في الصحة والتعليم له العديد من المزايا البديهية مثل إيجاد رعاية صحية جيدة وتحسين مؤشرات التنمية البشرية والتزام الدولة بالاتفاقات الدولية التي وقعت وصدقت عليها وتحسين جودة الحياة لعدد أكبر من المصريين، ولهذا لن تتطرق هذه التدوينة إلى هذه البديهيات، وستطرق بدلًا من ذلك إلى جانب عادة ما يتم إهماله عند الحديث عن هذين القطاعين وهو جانب العمل.


تعتبر قطاعات الصحة والتعليم من أكثر القطاعات كثيفة العمالة، يعني هذا ببساطة أن كل مبلغ مستثمر في الصحة والتعليم سيولد أضعاف فرص العمل مقارنة بقطاعات أخرى. على سبيل المثال، يعمل ١٢% من إجمالي العاملات والعاملين بأجر في قطاع التعليم، على الرغم من أنه لا يشكل سوى نحو ٢% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019. وبالمثل، يمثّل قطاع الصحة أيضا نحو ٢% من الناتج المحلي الإجمالي غير أنه يوظف أكثر من ٤% من جميع اليد العاملة بأجر. 

تراجع الحجم النسبي لقطاعات التعليم والصحة في السنوات الأخيرة وبشكل خاص منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتراجع أيضًا حجم القطاع الحكومي، وهو أيضًا قطاع يشغل نسبة أكبر من المواطنين مقارنة بحجمه (أنظر الجدول أدناه)، وكان لهذه المتغيرات أثر كبير على معدلات التشغيل في مصر برغم انخفاض معدلات البطالة.

ففي حين سجل معدل البطالة انخفاضاً مطرداً من١٣،٢% في 2013 إلى ٩،٩% في 2018، تراجع معدل التشغيل بشكل  كبير منذ الشروع في برنامج الإصلاح الاقتصادي. ويرجع هذا إلى طريقة حساب معدل البطالة، حيث يمثل المؤشر عدد الأشخاص البالغين العاطلين عن العمل الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة وقادرون على العمل ويبحثون عنه كنسبة مئوية من مجموع القوى العاملة. وتمثل القوى العاملة الجزء من السكان القادر على العمل والراغب فيه، بغض النظر عما إذا كانوا يعملون أو لا. وبالتالي، فإن خروج شخص ما من القوى العاملة أو التخلي عن البحث عن عمل قد يكون مدفوعاً بعوامل مختلفة، أكثرها شيوعا هو اليأس بسبب عدم العثور على عمل. ويساهم الأشخاص الذين يخرجون من القوى العاملة في انخفاض معدل البطالة حيث لا يتم حسابهم ضمن العاطلين عن العمل. يعني هذا ببساطة إن إنخفاض معدلات البطالة لا يساوي خلق فرص عمل.


بالإضافة إلى ذلك، الاستثمار في قطاعي الصحة والتعليم قادر على توليد فرص عمل للنساء أكثر من أي قطاع آخر حيث تشكل النساء نحو ٦٠% من العاملات والعاملين في قطاع الصحة و٥٣،٧% من العاملات والعاملين في قطاع التعليم. رُبع جميع النساء العاملات بأجر يعملن في قطاع التعليم وثُمنهم يعمل في قطاع الصحة، برغم استحواذ تلك القطاعات على نسبة صغيرة من الناتج المحلي الإجمالي. فالقطاعين معًا لا يزيد حجمهم عن ٥% من الناتج المحلي لكنهم يوظفان نحو ١٧% من إجمالي العمالة بأجر ونحو ٣٧% من العمالة النسائية بأجر.

عانى الاقتصاد المصري في العقود الأخيرة من نمو لا يخلق فرص عمل كافية لعموم المواطنين وللنساء تحديدًا، ويرجع هذا بالأساس لاعتماد النمو الاقتصادي في تلك الفترة على قطاعات لا تخلق فرص عمل مثل قطاع التعدين والقطاع المالي، والتراجع النسبي في (أو على الأقل ثبات حجم)  القطاعات التي تخلق فرص عمل وعلى رأسهم التعليم والصحة وأيضًا الصناعة والإدارة العامة (البيروقراطية). القطاع المشغل الرئيسي في العقود السابقة كان قطاع البناء والتشييد، لكن بالرغم من توليده لفرص عمل كثيرة لكنها فرص عمل مؤقتة وهشة وغير مستدامة، وفي نفس الوقت لا يخلق فرص عمل على الإطلاق للنساء حيث لا تتخطى نسبة النساء العاملات في هذا القطاع ٠،٨% من إجمالي العاملين والعاملات. تشكل هذه الديناميكية سبب أساسي لفشل اقتصاديات تساقط الثمار التي تم الترويج لها كثيرًا في فترة ما قبل تورة يناير، والتي تعتقد أن أي تحسن في مؤشرات النمو سيؤدي حتمًا إلى خلق فرص عمل وانخفاض معدلات الفقر، وهي علاقات أثبتت العقود الماضية إنها ليست بهذه البساطة والمباشرة.



اعتمدت هذه التدوينة على بيانات من دراسة "الحماية الاجتماعية والجندر في برنامج صندوق النقد الدولي بمصر". لقراءة الدراسة كاملة بالعربية هنا أو بالإنجليزية هنا.


تطور القطاعات الأكثر تشغيلا للإناث والذكور بعد برنامج الإصلاح الاقتصادي



حصة النساء العاملات/إجمالي العمالة

(2017)

2015/2016

2016/2017

2017/2018

2018/2019

القطاعات الأكثر تشغيلاً للذكور (بالنسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي)

الزراعة

21

11,92

11,66

11,49

11,37

البناء 

16,2

5,43

5,70

5,93

6,20

تجارة الجملة والتجزئة

13,7

14

13,8

13,7

13,7

الصناعة التحويلية

13,9

17

16,7

16,57

16,38

النقل والتخزين

9,4

4,70

4,66

4,63

4,64

الإجمالي باستثناء الزراعة وتجارة الجملة

27,13

27,06

27,13

27,22

القطاعات الأكثر تشغيلاً للإناث (بالنسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي)

التعليم

53,7

1,89

1,87

1,84

1,83

الزراعة


21

11,92

11,66

11,49

11,37

الصحة 

59,8

2,35

2,3

2,28

2,26

تجارة الجملة والتجزئة

13,7

14

13,8

13,7

13,7

الحكومة العامة

35,2

10,34

8,83

7,37

6,76

الإجمالي باستثناء الزراعة وتجارة الجملة

14,57

13

11,49

10,58




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المؤشرات الاقتصادية كدلالات عائمة: مقدمة مفاهيمية

في ذكراه الخامسة، كيف دشن التعويم لعصر "الأمولة التابعة" في مصر؟

مقتطفات عن أموَلة الاقتصاد من كتاب "مُلّاك مصر"